افتتاحية العدد 387- مجلة صدى نبض العروبة مدينة عربية واحدة تكفي   يخطئ أخطاء مركبة من يظن أن الفدائيين الفلسطينيين يقاتلون لوحدهم في غزة، المعلومة التي يتلاعب بها كثيرون صعوداً ونزولاً ويتاجر بها البعض هي معلومة الصلة بين شعب غزة وبين ثوارها الأشاوس، والحقيقة التي لا جدال فيها هي أن أهل غزة كلهم يقاتلون، ولولا هذا الانصهار الإنساني العظيم بين الحاضنة وبين المجاهدين لما أنتجت غزة هذا الاعصار الذي يهز الكون ويقلب طاولات ويغير معادلات ويحرف اتجاهات التوازنات الدولية. هي مدينة عربية محبوسة منذ عقود، بيوتها سجن لأهلها، صغار وكبار، لا تدخل لهم قنينة ماء ولا رغيف خبز إلا ويختم عليه الجلادون، لا يمر منها وإليها رجل أو امرأة إلا ويفتش جلده، هي مدينة عربية صغيرة جداً، صبرت طويلاً بل إن صبرها يسجل في صفحات التاريخ، وعاشت القهر والبؤس والحرمان مع الحياة وكأن الحياة الغزاوية هي نمط مختلف عن كل حيواة مدن العالم، بل هو بالتأكيد مختلف جداً. غزة، وصلت هي وشعبها إلى قناعة تامة أن عليها أن تصنع من الرمل قنابل ومن أدغال الصحراء صواريخ، وصلت إلى قناعة أن عليها أن تجد لنفسها مسالك في باطن الأرض لكي تحمي الحياة المعرضة للفناء فوق السطح، أيقنت أن عليها أن تصنع الحياة من العدم مادام العدم قد لازمها وصار رفيقها الأبدي. قررت غزة أن تستشهد كلها أو أن تخرج كلها من تحت الأرض إلى فوقها. قررت غزة بعد طويل عناء وصبر أن تثور لتصنع الحياة. لست معنياً بالسياسة، فليكن ثوار غزة، أهل غزة، كلهم شيوعيون أو بعثيون أو إسلامويون أو قوميون أو بلا عقيدة أرض، ليكونوا ما يكونوا فما يهم بعد طوفان الأقصى هو الفعل الناتج عن هذا الشعب الجبار، ما يهم هو هذا الصمود العجيب والتحديات التي تنتج عن هذا الصمود من تحت الأنقاض ومن أجزاء الأجساد الممزقة، ما يهم هو هذا الإيمان الذي أغرق الكون ومزق أساطين القوة وسخر من ميل ميزانها الفاضح فصنع للأمة نصراً وفتحاً مبيناً لا زال يسمو ويتسع ويترسخ. مدينة عربية واحدة صغيرة معدمة صنعت كل هذا الفخار وفجرت في الأمة كل هذه البراكين، وفضحت وعرت كل الوجوه الكالحة والأرواح الجبانة.